هل تعرف كم ذنبا اقترفت؟ قال رياح القيسي: "لي نيف وأربعون ذنبًا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة"، فالتفكر في الذنوب الماضية، من أكبر المحركات للهمم، واستدراك ما فات.
فالخطر كل الخطر أن نرتكب الذنب بعد الذنب فتتبلد أنفسنا، ويحدثُ إلفٌ لارتكاب الذنوب والآثام، فلا نحصيها عـدًّا بسبب غفلتنا، ولعل السبب الرئيسي لإلف الذنب هو إلف المنكرات، لكثرة اقترافها، فيألفها القلب فما يعودُ ينكرُها، وما يعود يَحُسُّ بوخز الضمير، ولا ألم الذنب لأن مراكز الإحساس بالذنب قد أصابها العَطب، ولعل هذا هو ما كان يخيف أبا الحسن الزيات رحمه الله، فكان يقول: "والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها؛ لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به".
ولذلك فالمؤمن الحق له وقفات مع كل ذنب، بل هو يعرف كم مرة أذنب، ويقدِّم لذنبه هذا توبةً واستغفارًا، وأوبةً ورجوعًا، ولا ينسيه طول الليالي مرارة هذا الذنب، فيعلن الرجوع والتوبة والاستغفار لذنبه من جديد.
قال كهمس بن الحسن: (يا أبا سلمة.. أذنبت ذنبًا فأنا أبكي عليه منـذ أربعين سنةً، قال: قلت: وما هو يا أبا عبد الله؟ قال: زارني أخ لي، فاشـتريت له سمـكًا بدانق، فلما أكل قمت إلى حائط جار لنا، فأخذت منه قطعة من طين فمسح بها يده، فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنةً).
أولئك كانوا أصحاب فِطَرٍ سليمة، وقلوب يقظة، لا يعرف الران إلى قلوبهم سبيلاً، ولم يفسد شيء من حب الدنيا أجهزة الإحساس في قلوبهم، وما يستطيع أحد أن يتذكر ذنبًا مضى عليه أربعون عامًا إلا رجل قلَّت ذنوبه، فاستطاع أن يعدها ويحصيها.
تأمل هذا الموقف الذي يرويه ابن عون، أن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنةً، قلت لرجل: يا مفلس، فحدثت به أبا سليمان الدارني، فقال: قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فلا ندري من أين نؤتى.
هكذا لم تنسه طول الليالي طيلة أربعين سنةً هذا الذنب الذي هو في أعيننا هين ومن الصغائر، ولكنهم ليقظتهم يعلمونه عظيمًا ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)﴾ (النور).
لأنهم نظروا إلى الذنب بمنظار غير منظارنا، منظار التابعي بلال بن سعد الذي يقول: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت).
يقول الإمام ابن القيم: (فإن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله).
قال رجل لعطاء السليمي يومًا: (ما هذا الذي تصنع بنفسك؟- لما رأى من شـدة بكائه- قتلت نفسًا؟ أم أي شيء صنعت؟ قال: إني اصطدت حمامًا لجار لنا منذ أربعين سنةً، قال: ثم إني تصدقت بثمنه، كأنه لم يعرف صاحبه).
وهذا أبو سليمان الداراني يقول: (إني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به).
وخرج عمر بن عبد العزيز يومًا إلى المسجد فخطر بيده خطرة، ثم أمسك وبكى، قالوا: ما أبكاك يا أمير المؤمنين؟ قال: (خطرت بيدي خطرة فخفت أن يغلها الله في الآخرة).
فيا الله.. كم من ذنوب لا تُعد ولا تُحصى نرتكبها وننسى، وما ذاك إلا لضعف إيماننا، ولكن المؤمن الحق ينظر للذنب كما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا، فطار).. إنها خلاصة تجربة تربوية انسابت عَبر سيرة مربٍّ مصلح، لتغذي قلوبًا يلذعها الألم، فورثها من تربى على يديهم، وربّوا من تبعهم على ذلك، يقول أحمد بن إسماعيل: (احذروا الصغائر، فإن النقط الصغار آثار في الثوب النقي).
أخي الداعية.. احذر على نفسك، فيسير الذنب يقتل، قال ابن الجوزي: (لا تحتقر يسير الذنب، فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي، فيختنق به الجمل السمين).
فكم من أماكن ارتكبنا فيها ذنوبًا وآثامًا، نمر عليها فلا نعتبر ولا تتحرك ضمائرنا، ولكن جيل التابعين يربِّينا على ألا ننسى، وألا تأخذنا الغفلة، قال عبد الواحد بن زيد: (انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة؛ حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقًا شديدًا، حتى رشح، وكنا في يوم شاتٍّ شديد البرد، فقلت: عتبة.. ترشح عرقًا في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني، فقلت: ما الذي بيني وبينك؟ ولم أزل به حتى قال: ذكرت ذنبًا أذنبته في هذا الموضع).
ونحن والله نرتكب الذنب تلو الذنب فنأكل ونشرب، وننام ونصحو، ونلهو ونفرح ونلعب، وننسى الذنب، وسلفنا الصالح من جيل التابعين له رأي آخر، يقول الحسن البصري: (إن المؤمن ليذنب الذنب، فما يزال به كئيبًا حتى يدخل الجنة).
إن قومًا هذا حالهم، لهم جديرون أن يكونوا والله أعبد الناس، وأراهم هم الذين يشير إليهم سعيد بن جبير بإصبعه، ويقصدهم قصدًا، قيل له: (مَن أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح ذنبًا، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله).
ولما كان جيل التابعين يعرفون ذنوبهم ويعدونها عدًّا، فقد كانوا يخشون على حسناتهم عدم القبول بسبب ذنوبهم المعدودة، والتي يعرفونها جيدًا، يقول عنهم الحسن البصري: (لقيت أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم، أزهد منكم فيما حرَّم الله عليكم، ولقد لقيت أقوامًا كانوا من حسناتهم أشفق ألا تقبل منهم من سيئاتكم).
أخي الداعية.. أنت الذي بيدك أن تنجو أو تهلك، كلما عظم الذنب في قلبك صغر عند الله.. وكلما هان عليك عظم عند الله، فَعَظِّمْ الله في قلبك يَعْظُمْ عليك ذنبك لتثبت بذلك أنك مؤمن، وإلا كتبت اسمك بنفسك في سجل المنافقين، يقول الشاعر:
نــبِّه فــؤادك من نومــه *** فإن الموفــــق من ينتــبـه
وإن كـنت لـم أنتـبه بالـذي *** وعـظـت بـه فانـتـبه أنت به
إلهي! أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي أخرى.
إلهي.. من عذابك الآن من يستنقذني؟! وبحبل مَنْ أعتصم إن قطعت حبلك عني؟!
ويلي! كلما طال عمري كثرت المعاصي!! فإلى متى أتوب؟ والى متى أعود؟ أما آن لي أن أستحي من ربي؟!.
اللهم إني أعوذ بك من أن تجعل حظي في لفظي، وأعوذ بك من أن أكون للخير وصافًا، ولا أكون به موصوفًا، وأعوذ بك من أن أصف وأصفّي ويشرب غيري، وأعوذ بك يا إلهي أن أكون كالشمعة تضيء الطريق لغيرها وتحرق نفسها.. أعوذ بك يا إلهي أن أكون كالإبرة تكسي غيرها وهي عريانة، أو أكون كالمنخل يعطي لغيره الدقيق ويبقي لنفسه النخالة.
فالخطر كل الخطر أن نرتكب الذنب بعد الذنب فتتبلد أنفسنا، ويحدثُ إلفٌ لارتكاب الذنوب والآثام، فلا نحصيها عـدًّا بسبب غفلتنا، ولعل السبب الرئيسي لإلف الذنب هو إلف المنكرات، لكثرة اقترافها، فيألفها القلب فما يعودُ ينكرُها، وما يعود يَحُسُّ بوخز الضمير، ولا ألم الذنب لأن مراكز الإحساس بالذنب قد أصابها العَطب، ولعل هذا هو ما كان يخيف أبا الحسن الزيات رحمه الله، فكان يقول: "والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها؛ لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به".
ولذلك فالمؤمن الحق له وقفات مع كل ذنب، بل هو يعرف كم مرة أذنب، ويقدِّم لذنبه هذا توبةً واستغفارًا، وأوبةً ورجوعًا، ولا ينسيه طول الليالي مرارة هذا الذنب، فيعلن الرجوع والتوبة والاستغفار لذنبه من جديد.
قال كهمس بن الحسن: (يا أبا سلمة.. أذنبت ذنبًا فأنا أبكي عليه منـذ أربعين سنةً، قال: قلت: وما هو يا أبا عبد الله؟ قال: زارني أخ لي، فاشـتريت له سمـكًا بدانق، فلما أكل قمت إلى حائط جار لنا، فأخذت منه قطعة من طين فمسح بها يده، فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنةً).
أولئك كانوا أصحاب فِطَرٍ سليمة، وقلوب يقظة، لا يعرف الران إلى قلوبهم سبيلاً، ولم يفسد شيء من حب الدنيا أجهزة الإحساس في قلوبهم، وما يستطيع أحد أن يتذكر ذنبًا مضى عليه أربعون عامًا إلا رجل قلَّت ذنوبه، فاستطاع أن يعدها ويحصيها.
تأمل هذا الموقف الذي يرويه ابن عون، أن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنةً، قلت لرجل: يا مفلس، فحدثت به أبا سليمان الدارني، فقال: قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فلا ندري من أين نؤتى.
هكذا لم تنسه طول الليالي طيلة أربعين سنةً هذا الذنب الذي هو في أعيننا هين ومن الصغائر، ولكنهم ليقظتهم يعلمونه عظيمًا ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)﴾ (النور).
لأنهم نظروا إلى الذنب بمنظار غير منظارنا، منظار التابعي بلال بن سعد الذي يقول: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت).
يقول الإمام ابن القيم: (فإن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله).
قال رجل لعطاء السليمي يومًا: (ما هذا الذي تصنع بنفسك؟- لما رأى من شـدة بكائه- قتلت نفسًا؟ أم أي شيء صنعت؟ قال: إني اصطدت حمامًا لجار لنا منذ أربعين سنةً، قال: ثم إني تصدقت بثمنه، كأنه لم يعرف صاحبه).
وهذا أبو سليمان الداراني يقول: (إني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به).
وخرج عمر بن عبد العزيز يومًا إلى المسجد فخطر بيده خطرة، ثم أمسك وبكى، قالوا: ما أبكاك يا أمير المؤمنين؟ قال: (خطرت بيدي خطرة فخفت أن يغلها الله في الآخرة).
فيا الله.. كم من ذنوب لا تُعد ولا تُحصى نرتكبها وننسى، وما ذاك إلا لضعف إيماننا، ولكن المؤمن الحق ينظر للذنب كما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا، فطار).. إنها خلاصة تجربة تربوية انسابت عَبر سيرة مربٍّ مصلح، لتغذي قلوبًا يلذعها الألم، فورثها من تربى على يديهم، وربّوا من تبعهم على ذلك، يقول أحمد بن إسماعيل: (احذروا الصغائر، فإن النقط الصغار آثار في الثوب النقي).
أخي الداعية.. احذر على نفسك، فيسير الذنب يقتل، قال ابن الجوزي: (لا تحتقر يسير الذنب، فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي، فيختنق به الجمل السمين).
فكم من أماكن ارتكبنا فيها ذنوبًا وآثامًا، نمر عليها فلا نعتبر ولا تتحرك ضمائرنا، ولكن جيل التابعين يربِّينا على ألا ننسى، وألا تأخذنا الغفلة، قال عبد الواحد بن زيد: (انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة؛ حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقًا شديدًا، حتى رشح، وكنا في يوم شاتٍّ شديد البرد، فقلت: عتبة.. ترشح عرقًا في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني، فقلت: ما الذي بيني وبينك؟ ولم أزل به حتى قال: ذكرت ذنبًا أذنبته في هذا الموضع).
ونحن والله نرتكب الذنب تلو الذنب فنأكل ونشرب، وننام ونصحو، ونلهو ونفرح ونلعب، وننسى الذنب، وسلفنا الصالح من جيل التابعين له رأي آخر، يقول الحسن البصري: (إن المؤمن ليذنب الذنب، فما يزال به كئيبًا حتى يدخل الجنة).
إن قومًا هذا حالهم، لهم جديرون أن يكونوا والله أعبد الناس، وأراهم هم الذين يشير إليهم سعيد بن جبير بإصبعه، ويقصدهم قصدًا، قيل له: (مَن أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح ذنبًا، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله).
ولما كان جيل التابعين يعرفون ذنوبهم ويعدونها عدًّا، فقد كانوا يخشون على حسناتهم عدم القبول بسبب ذنوبهم المعدودة، والتي يعرفونها جيدًا، يقول عنهم الحسن البصري: (لقيت أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم، أزهد منكم فيما حرَّم الله عليكم، ولقد لقيت أقوامًا كانوا من حسناتهم أشفق ألا تقبل منهم من سيئاتكم).
أخي الداعية.. أنت الذي بيدك أن تنجو أو تهلك، كلما عظم الذنب في قلبك صغر عند الله.. وكلما هان عليك عظم عند الله، فَعَظِّمْ الله في قلبك يَعْظُمْ عليك ذنبك لتثبت بذلك أنك مؤمن، وإلا كتبت اسمك بنفسك في سجل المنافقين، يقول الشاعر:
نــبِّه فــؤادك من نومــه *** فإن الموفــــق من ينتــبـه
وإن كـنت لـم أنتـبه بالـذي *** وعـظـت بـه فانـتـبه أنت به
إلهي! أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي أخرى.
إلهي.. من عذابك الآن من يستنقذني؟! وبحبل مَنْ أعتصم إن قطعت حبلك عني؟!
ويلي! كلما طال عمري كثرت المعاصي!! فإلى متى أتوب؟ والى متى أعود؟ أما آن لي أن أستحي من ربي؟!.
اللهم إني أعوذ بك من أن تجعل حظي في لفظي، وأعوذ بك من أن أكون للخير وصافًا، ولا أكون به موصوفًا، وأعوذ بك من أن أصف وأصفّي ويشرب غيري، وأعوذ بك يا إلهي أن أكون كالشمعة تضيء الطريق لغيرها وتحرق نفسها.. أعوذ بك يا إلهي أن أكون كالإبرة تكسي غيرها وهي عريانة، أو أكون كالمنخل يعطي لغيره الدقيق ويبقي لنفسه النخالة.