الأحد، 11 أبريل 2010

كيف نحاسب انفسنا؟

هل تعرف كم ذنبا اقترفت؟ قال رياح القيسي: "لي نيف وأربعون ذنبًا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة"، فالتفكر في الذنوب الماضية، من أكبر المحركات للهمم، واستدراك ما فات.

فالخطر كل الخطر أن نرتكب الذنب بعد الذنب فتتبلد أنفسنا، ويحدثُ إلفٌ لارتكاب الذنوب والآثام، فلا نحصيها عـدًّا بسبب غفلتنا، ولعل السبب الرئيسي لإلف الذنب هو إلف المنكرات، لكثرة اقترافها، فيألفها القلب فما يعودُ ينكرُها، وما يعود يَحُسُّ بوخز الضمير، ولا ألم الذنب لأن مراكز الإحساس بالذنب قد أصابها العَطب، ولعل هذا هو ما كان يخيف أبا الحسن الزيات رحمه الله، فكان يقول: "والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها؛ لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به".

ولذلك فالمؤمن الحق له وقفات مع كل ذنب، بل هو يعرف كم مرة أذنب، ويقدِّم لذنبه هذا توبةً واستغفارًا، وأوبةً ورجوعًا، ولا ينسيه طول الليالي مرارة هذا الذنب، فيعلن الرجوع والتوبة والاستغفار لذنبه من جديد.

قال كهمس بن الحسن: (يا أبا سلمة.. أذنبت ذنبًا فأنا أبكي عليه منـذ أربعين سنةً، قال: قلت: وما هو يا أبا عبد الله؟ قال: زارني أخ لي، فاشـتريت له سمـكًا بدانق، فلما أكل قمت إلى حائط جار لنا، فأخذت منه قطعة من طين فمسح بها يده، فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنةً).

أولئك كانوا أصحاب فِطَرٍ سليمة، وقلوب يقظة، لا يعرف الران إلى قلوبهم سبيلاً، ولم يفسد شيء من حب الدنيا أجهزة الإحساس في قلوبهم، وما يستطيع أحد أن يتذكر ذنبًا مضى عليه أربعون عامًا إلا رجل قلَّت ذنوبه، فاستطاع أن يعدها ويحصيها.

تأمل هذا الموقف الذي يرويه ابن عون، أن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنةً، قلت لرجل: يا مفلس، فحدثت به أبا سليمان الدارني، فقال: قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فلا ندري من أين نؤتى.

هكذا لم تنسه طول الليالي طيلة أربعين سنةً هذا الذنب الذي هو في أعيننا هين ومن الصغائر، ولكنهم ليقظتهم يعلمونه عظيمًا ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)﴾ (النور).

لأنهم نظروا إلى الذنب بمنظار غير منظارنا، منظار التابعي بلال بن سعد الذي يقول: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت).

يقول الإمام ابن القيم: (فإن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله).

قال رجل لعطاء السليمي يومًا: (ما هذا الذي تصنع بنفسك؟- لما رأى من شـدة بكائه- قتلت نفسًا؟ أم أي شيء صنعت؟ قال: إني اصطدت حمامًا لجار لنا منذ أربعين سنةً، قال: ثم إني تصدقت بثمنه، كأنه لم يعرف صاحبه).

وهذا أبو سليمان الداراني يقول: (إني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به).
وخرج عمر بن عبد العزيز يومًا إلى المسجد فخطر بيده خطرة، ثم أمسك وبكى، قالوا: ما أبكاك يا أمير المؤمنين؟ قال: (خطرت بيدي خطرة فخفت أن يغلها الله في الآخرة).

فيا الله.. كم من ذنوب لا تُعد ولا تُحصى نرتكبها وننسى، وما ذاك إلا لضعف إيماننا، ولكن المؤمن الحق ينظر للذنب كما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا، فطار).. إنها خلاصة تجربة تربوية انسابت عَبر سيرة مربٍّ مصلح، لتغذي قلوبًا يلذعها الألم، فورثها من تربى على يديهم، وربّوا من تبعهم على ذلك، يقول أحمد بن إسماعيل: (احذروا الصغائر، فإن النقط الصغار آثار في الثوب النقي).

أخي الداعية.. احذر على نفسك، فيسير الذنب يقتل، قال ابن الجوزي: (لا تحتقر يسير الذنب، فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي، فيختنق به الجمل السمين).

فكم من أماكن ارتكبنا فيها ذنوبًا وآثامًا، نمر عليها فلا نعتبر ولا تتحرك ضمائرنا، ولكن جيل التابعين يربِّينا على ألا ننسى، وألا تأخذنا الغفلة، قال عبد الواحد بن زيد: (انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة؛ حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقًا شديدًا، حتى رشح، وكنا في يوم شاتٍّ شديد البرد، فقلت: عتبة.. ترشح عرقًا في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني، فقلت: ما الذي بيني وبينك؟ ولم أزل به حتى قال: ذكرت ذنبًا أذنبته في هذا الموضع).

ونحن والله نرتكب الذنب تلو الذنب فنأكل ونشرب، وننام ونصحو، ونلهو ونفرح ونلعب، وننسى الذنب، وسلفنا الصالح من جيل التابعين له رأي آخر، يقول الحسن البصري: (إن المؤمن ليذنب الذنب، فما يزال به كئيبًا حتى يدخل الجنة).

إن قومًا هذا حالهم، لهم جديرون أن يكونوا والله أعبد الناس، وأراهم هم الذين يشير إليهم سعيد بن جبير بإصبعه، ويقصدهم قصدًا، قيل له: (مَن أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح ذنبًا، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله).

ولما كان جيل التابعين يعرفون ذنوبهم ويعدونها عدًّا، فقد كانوا يخشون على حسناتهم عدم القبول بسبب ذنوبهم المعدودة، والتي يعرفونها جيدًا، يقول عنهم الحسن البصري: (لقيت أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم، أزهد منكم فيما حرَّم الله عليكم، ولقد لقيت أقوامًا كانوا من حسناتهم أشفق ألا تقبل منهم من سيئاتكم).

أخي الداعية.. أنت الذي بيدك أن تنجو أو تهلك، كلما عظم الذنب في قلبك صغر عند الله.. وكلما هان عليك عظم عند الله، فَعَظِّمْ الله في قلبك يَعْظُمْ عليك ذنبك لتثبت بذلك أنك مؤمن، وإلا كتبت اسمك بنفسك في سجل المنافقين، يقول الشاعر:
نــبِّه فــؤادك من نومــه *** فإن الموفــــق من ينتــبـه
وإن كـنت لـم أنتـبه بالـذي *** وعـظـت بـه فانـتـبه أنت به

إلهي! أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي أخرى.

إلهي.. من عذابك الآن من يستنقذني؟! وبحبل مَنْ أعتصم إن قطعت حبلك عني؟!

ويلي! كلما طال عمري كثرت المعاصي!! فإلى متى أتوب؟ والى متى أعود؟ أما آن لي أن أستحي من ربي؟!.

اللهم إني أعوذ بك من أن تجعل حظي في لفظي، وأعوذ بك من أن أكون للخير وصافًا، ولا أكون به موصوفًا، وأعوذ بك من أن أصف وأصفّي ويشرب غيري، وأعوذ بك يا إلهي أن أكون كالشمعة تضيء الطريق لغيرها وتحرق نفسها.. أعوذ بك يا إلهي أن أكون كالإبرة تكسي غيرها وهي عريانة، أو أكون كالمنخل يعطي لغيره الدقيق ويبقي لنفسه النخالة.

الثلاثاء، 23 مارس 2010

يامسلمون الأقصى فى خطر

الأقصي في خطر..إذا نظرنا لحال المسجد الأقصي الآن وحال القدس والمفترض أنهما في حماية الأمة الاسلامية أمة المليار في حمايتنا نحن ربع سكان العالم في آخر أحصائية نجد مايدمي القلب ويكرب النفس ثالث الحرمين وأول القبلتين ومسري الرسول في يد اليهود أحقر الخلق ... لذلك نصرخ الأقصي في خطر ... عار علينا ... عار علينا أبعد كل هذه التضحيات التي بذلها الصحابة من أجل ضم الأقصي إلي أحضان الإسلام .. بعد كل هذه التضحيات نسلمه ونتركه لليهود عار علينا عار لا تغسله كلماتنا الفارغة من أي مضمون وأي عمل ... الأقصي في خطرأنترك المقدسيين يدافعون عن الأقصي وحدهم بصدورهم العارية ؟؟القدس ليست قضية المقدسيين وحدهم ... القدس ليست قضية الفلسطينين وحدهم... القدس قضية كل مسلم ... لذلك نصرخ يا مسلمون ... ياربع سكان العالم مقدساتكم في خطر ... قدسكم في خطر ...أقصاكم في خطرأيضيع الأقصي ويهدم وأنتم أحياء؟؟؟

السبت، 13 مارس 2010

كرامة وطن أم كرامة مواطن
كلنا مع الدكتور طه عبد التواب ومع كل حر يدافع عن حرية هذا الوطن

الأربعاء، 6 يناير 2010

الأمل أكسير الحياة

أيها الحبيب،تأمل معي: ما الذي يدفع الزارع إلى الكدح والعرق؟إنه أمله في الحصاد، وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟إنه أمله في الربح، وما الذي يدفع الطالب إلى الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة ؟ إنه أمله في النجاح، وما الذي يحفز الجندي إلى الاستبسال في القتال والصبر على قسوة الحرب ؟إنه أمله في النصر، وما الذي يحبب إلى المريض الدواء المر ؟ إنه أمله في العافية، وما الذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع ربه ؟ إنه أمله في رضوان ربه وجنته.
الأمل ـ إذاً ـ قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة على جده، كما أنه يدفع المخفق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، ويحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه. إن الأمل الذي نتحدث عنه هنا ضد اليأس والقنوط ، إنه يحمل معنى البشر وحسن الظن ، بينما اليأس معول الهدم الذي يحطم في النفس بواعث العمل. ويُوهي في الجسد دواعي القوة ؛ ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجب "... والقنوط هو اليأس، والعجب هو الإعجاب بالنفس والغرور بما قدمته. قال الإمام الغزالي: " إنما جمع بينهما: لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، لأن ما يطلبه مستحيل في نظره".
الإيمان يبعث في النفس الأمل:
نعم هذه حقيقة وواقع مشاهد أن الإيمان يبعث في النفس الأمل ويدفع عنها اليأس والأسى.فالمؤمن الحق يرى أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيحسن ظنه بربه ويرجو ما عنده من خير وأمام عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: " أنا عند ظن عبدي بي ..".
كيف يتطرق اليأس إلى نفس المؤمن وهو يقرأ قول الله تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)؟.
أم كيف يتمكن منه قنوط وهو يردد كلما قرأ القرآن قوله تعالى : ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)؟.
إن العبد حين يكون مؤمنا حقا فإنه لن ييأس بل سيكون دائما مستبشرا راضيا متطلعا للأحسن في كل الأمور أصابه في طريقه ما أصابه وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". فهو في كل الأحوال موعود بالخير فكيف ييأس؟.
إنه ومن خلال إيمانه يستشعر أن الله عز وجل معه وهو ناصره وكافيه وبناء على ذلك فهو إذا مرض رجا العافية والأجر: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). ( الشعراء:80).
وإذا ضعفت نفسه في وقت من الأوقات فوقع في معصية سارع بالتوبة راجيا عفو الله ورحمته واضعا نصب عينيه قوله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
وإذا أصابه ضيق او عسر أيقن أنها شدة عما قريب ستنجلي فلن يغلب عسر يسرين: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
إن المؤمن في كل أحواله صاحب أمل كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره ؛ لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب، بل يتعداها موقنا أن لها خالقا ومسببا وهو الذي بيده ملكوت كل شيء وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون،فيمتلىء قلبه توكلا ورجاء وأملا. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين؛لذلك تراهم ينتحرون ويصابون بالعقد والأمراض النفسية الكثيرة،نسأل الله العافية.
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
الأمل لابد منه لتحقيق التقدم في كل المجالات ، فلولا الأمل ما شيدت الحضارات ولا تقدمت العلوم والاختراعات ،ولا نهضت الأمم من كبوات تصيبها ،ولا سرت دعوة إصلاح في المجتمعات،وقديما قال بعض الحكماء:
لولا الأمل ما بنى بان بنيانا،ولا غرس غارس غرسا.
وفي هذا المعنى قال الشاعر:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وقال الطغرائي (الوزير الشاعر):
ولا تيأسنْ من صنـع ربك إنه ضمين بأن الله سوف يُديـل
فإن الليـالي إذ يـزول نعيمها تبشـر أن النـائبات تـزول
ألم تر أن الليـل بعد ظلامـه عليه لإسـفار الصبـاح دليل
ألم تر أن الشمس بعد كسوفها لها صفحة تغشي العيون صقيل
وأن الهلال النضو يقمر بعدما بدا وهو شخت الجانبين ضئيل
فيا أيها المؤمن كن حسن الظن بربك مؤملا منه الخير والنصر والفرج،فإن ابتليت فاصبر واعلم أن العسر لو دخل جحرا لتبعه اليسر، فكن صبورا مقداما واستعن بالله ولا تعجز :
لا خير في اليأس كل الخير في الأمل أصل الشجاعة والإقدام في الرجل

حسن الظن راحة للبال

ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.
إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا...".
وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد ؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.
من الأسباب المعينة على حُسن الظن:
هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومن هذه الأسباب:
1) الدعاء:
فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.
2) إنزال النفس منزلة الغير:
فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12]. وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد ، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه فكأنما يسلم على نفسه: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور:61].
3) حمل الكلام على أحسن المحامل:
هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
4) التماس الأعذار للآخرين:
فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذراً.
وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا .. ... .. لعل له عذرًا وأنت تلوم
5) تجنب الحكم على النيات:
وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ.
6) استحضار آفات سوء الظن:
فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد ، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين ، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].
وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:49].
إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.
رزقنا الله قلوبًا سليمة، وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا، والحمد لله رب العالمين
نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقّة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك : أخوةً وسماحةً وسكينةً ووفاءً.. والذين يفتقدون هذا الخلق ، تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد ، وسوء الظن والخبث...
ومعنى ( الطيّب ) في اللغة : الطاهر والنظيف، والحسن والعفيف، والسهل واللين ، وذو الأمن والخير الكثير، والذي لا خبث فيه ولا غدر..
ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيّب ، والزوجة الطيبة ، والبلدة الطيبة ، والقول الطيب، والذرية الطيبة ، والريح الطيبة ، والحياة الطيبة.. وكلها معاني طهرٍ وعفة وصفاء ونقاء ، وهذا حال صاحب خلق ( الطيبة ).
إن الله عز وجل حين خلق بني آدم " جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك ، والسهل والحَزْن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك ". (رواه أحمد وصححه الألباني) ولا يستوي الخبيث والطيب، ولا يأتلف كل واحدٍ إلا مع قرينه وشبيهه.
وحرصا من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة ، نهاه أن ينسب الخبث إلى نفسه ، فقال: " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي.." (الحديث، رواه البخاري) ويورد بن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي ، فيقول [.. وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن ، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى في الألفاظ المشتركة].ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة ( الأُتْرُجَّة ) : " طعمها طيب وريحها طيب" وضرب للمؤمن مثلا آخر ، فقال: " .. والذي نفس محمد بيده! إن مثل المؤمن لكمثل النحلة ، أكلت طيبا ، ووضعت طيبا..". (رواه أحمد بإسناد قوي).
وكلها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.
والرجل الطيب، قد يختلف حاله..فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة .. تبعا لما يمر به من أقدار ، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: " نراك اليوم طيب النفس ، فقال : أجل . والحمد لله. ثم أفاض القوم في ذكر الغنى . فقال : لا بأس بالغنى لمن اتقى ، الصحة لمن اتقى خير من الغنى ، وطيب النفس من النعيم". ( صحيح سنن ابن ماجة).
والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري ، من أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد ، قائلا له : " عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان." يقول ابن حجر : " قوله : طيب النفس. أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب ، وبما أزال عنه من عقد الشيطان . كذا قيل. والذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس...".
وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز ، كما قال تعالى : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )(آل عمران: من الآية179)
وفي ظلال الآية : أن دور الأمة المسلمة [ يقتضي التجرد والصفاء ، والتميز والتماسك .. وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف؛ ليخرج منه الخبث..ومن ثم كان شأن الله ـ سبحانه ـ أن يميز الخبيث من الطيب] . وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء ، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
إن المؤمن الطيب رجل متورع عن الشبهات ، ولقد كان أبو طلحة في مرض له ينزع غطاء فراشه ؛ لما عليه من نقوش؛ فلما اعتُرض عليه بأنه ليس في الغطاء تصاوير منهي عنها ، أجاب : " بلى . ولكنه أطيب لنفسي" .
والمؤمن الطيب يحافظ على صفاء الود مع أخيه ، كما في الحديث القدسي: " وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي"
ويبادر إلى زيارة أخيه المسلم، أو عيادته ، فيقول الله له : "طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا" . فالتصافي والتواصل علامة طيبة، ولا يتخلق بها إلا الطيب.
والمجاهد الطيب لا يطمئن قلبه بالقعود حين يُستنفر الناس، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسية صحابته الكرام ـ لو أنه خرج في كل سرية ـ فقال: " ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي".(رواه مسلم).
ولذلك كان المنافقون ـ لما في نفوسهم من الخبث ـ لا يتحرجون من أن يتعللوا بأعذار واهية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في الحر والنصب ، والمنازلة والطعان.
وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم ـ وافية زائدة ـ بقوله : " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة : الموفون المطيّبون". (رواه أحمد).
وأقصر طريق إلى القلوب بالكلمة الطيبة :" اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة ". وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:24). وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)
وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء ، فيُفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك ، حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل . وإذا كان الرجل السوء قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث. اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج إلى السماء ، فلا يُفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة ، فإنها لا تُفتح لك أبواب السماء ، فيُرسل بها من السماء ثم تصير إلى القبر". (صحيح سنن ابن ماجة).
وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ). (الزمر: من الآية73) بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش : " أفنهلكُ وفينا الصالحون؟" فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم إذا كثر الخبث". ( البخاري).
قال ابن العربي: [ وفيه البيان بأن الخيّر يهلك بهلاك الشرير، إذا لم يغير عليه خبثه].إن العبد الطيب نقي القلب، سليم السريرة ، حسن الظن بالناس..ومن دعائه صلى الله عليه وسلم : " ونق قلبي من الخطايا ، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس". ( البخاري). ولا يغرنّك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين: من صفات الغفلة ، وضعف العقل ، وقلة الحيلة ، والهوان على الناس..فلأن تكون مقبولا عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث

التضرع الى الله سبب السعادة


إن الإنسان لا يستغني عن ربه طرفة عين ولا أقل من ذلك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد كثيرا: " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا".وإذا رجعنا إلى المعنى اللغوي للتضرع لوجدناه يدو ر حول الطلب بذل وخضوع واستكانة، ومادة ضرع تدل على لينٍ في الشيء، ومن هذا الباب ضرع الشاة، فلو نظرت إلى صغير الحيوان حين يلتقم ثدي أمه ، فيلح ويرتفع وينخفض ويجتهد بكل قوته كي يجذب هذا اللبن الذي به حياته لعرفت مدى الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للتضرع فالتضرع هو دعاء الله وسؤاله بذل وخشوع وإظهار للفقر والمسكنة، وهذا الحالة يحبها ربنا ويرضاها، بل أمر عباده بها:
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف:55)
يأخذ عباده بالبأساء والضراء ليتضرعوا.
إن من أعظم أسباب دفع البلاء تضرع العبد لربه جل وعلا كما بيّن الله في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43،42) )
فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله.
إن العباد قد يغفلون في أوقات الرخاء عن هذه العبادة الجليلة لكن لا ينبغي أن يغفلوا عنها في أوقات البلاء والمحنة ولو أنهم غفلوا في الحالين لعرضوا أنفسهم لعقوبة الله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 44،45)
ولقد أخبر الله تعالى عن أقوام ابتلاهم وتوعدهم بالعذاب فاستكان بعضهم وتضرع إلى الله فكشف الله عنهم عذاب الدنيا، وأخبر عن آخرين ابتلاهم وتوعدهم لكنهم تكبروا وتجبروا وما استكانوا ولا تضرعوا فأخذهم العذاب.
أما الأولون الذين تضرعوا فمنهم قوم يونس عليه السلام الذين قال الله عنهم: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (يونس:98)
وقد ذكر بعض المفسرين أن قوم يونس خرجوا إلى الطرقات واصطحبوا نساءهم وأطفالهم ودوابهم ودعوا وجأروا إلى الله، وقيل : إنهم ظلوا على هذه الحالة أياما يدعون ويستغيثون ويتضرعون ويبكون فكشف الله عنهم عذاب الدنيا منةً منه وفضلا.
أما الآخرون الذين لم يظهروا الفقر والضراعة فقد قال عنهم: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ* حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (المؤمنون: 76،77)
الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتضرعين:
لقد كانت حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم كلها لله، وقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال صلى الله عليه وسلم: " لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك."
وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى.
في الاستسقاء:
خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد.
وعند رمي الجمار:
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في أيام التشريق إذا زالت الشمس، ويكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الأولى وقف يدعوا ويتضرع، وكذا بعد الثانية، أما الثالثة فلم يكن يقف عندها.
وفي الجهاد:
رأيناه يتضرع ويدعو في بدر ويستنصر ربه حتى أنزل الله المدد: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال:9)
وفي يوم الأحزاب:
دعا ربه وتضرع حتى صرف الله عن المسلمين الشر وكفاهم كيد أعدائهم.
وعند الكرب:
يذكر ربه ويذل له ويدعوه:
" لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم."
وهكذا كان في كل أحواله صلى الله عليه وسلم وهكذا تعلم منه أصحابه وعلموا مَنْ بعدهم.
نسأل الله أن يجعلنا أفقر خلقه إليه، وأغناهم به عمن سواه
.

الدعاء يرقق القلب

جعل الله تعالى من الدعاء عبادة وقربى، وأمر عباده بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء، فجميع الخلق يفزعون في حوائجهم إليه، ويعتمدون عند الحوادث والكوارث عليه.
وحقيقة الدعاء: هو إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحَوْل والقوة، واستشعار الذلة البشرية، كما أن فيه معنى الثناء على الله، واعتراف العبد بجود وكرم مولاه. يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
تأمل يا أخي هذه الآية تجد غاية الرقة والشفافية والإيناس، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة والود والأنس والرضا والثقة واليقين.
ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة".
بل هو من أكرم الأشياء على الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".
والمؤمن موعود من الله تعالى بالإجابة إن هو دعا مولاه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها". قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر. قال: "الله أكثر".
ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه.
من آداب الدعاء:
مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه ومنها:
تحري أوقات الاستجابة:
فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة؛ كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحَر من ساعات الليل.
وأن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل، وفي السجود، وأن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه ودعاه، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش في الجهاد، وعند الإقامة، وآخر ساعة من نهار الجمعة، ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المسافر والمظلوم، ودعوة الصائم والوالد لولده، ، ودعاء رمضان.
ومن الآداب:
أن يدعو مستقبل القبلة وأن يرفع يديه، وألا يتكلف السجْع في الدعاء، وأن يتضرع ويخشع عند الدعاء؛ قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90].
وأن يخفض الصوت؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء ومقصوده؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه، وهذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً. ولأنه أبلغ في الإخلاص، وأبلغ في حضور القلب عند الدعاء.
ولأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله، فيسأله مسألة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، وهذا من الأسرار البديعة جدًّا، ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم:3].
وإخفاء الدعاء يكون سببا في حفظ هذه النعمة العظيمة -التي ما مثلها نعمة- من عيْن الحاسد..
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم".
المحافظة على أدب الباطن
ومن أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن – وهو الأصل في الإجابة – فيحرص على تجديد التوبة ورد المظالم إلى أهلها، وتطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب وبين الله ، وتطييب المطْعَم بأكل الحلال.
أن يجزمَ بالدعاء ويُوقن بالإجابة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم مُوقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت. وليعزم المسألة، ولْيعظم الرغبة؛ فإن الله لا يعظُمُ عليه شيء أعطاه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدُكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. فليعزم المسألة؛ فإنه لا مُكره له". ويعزم المسألة معناه أن يطلب ما يريد من غير تعليقه بالمشيئة، فيقول مثلا: اللهم ارزقني، اللهم اغفر لي.
قال سفيان بن عُيينة: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله عز وجل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36، 37].
أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا:
قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا".
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربِّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبَيْه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتُك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدك.
وهذا نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم، مازال يدعو ويدعو، فذهب بصره ، وأُلقي ولدُه في الجُبِّ ولا يدري عنه شيئًا، وأُخرج الولدُ من الجُبِّ، ودخل قصرَ العزيز، إلى أن شبَّ وترعرع، ثم راودته المرأة عن نفسها فأبى وعصَمَه الله، ثم دخل السجن فلبث فيه بضع سنين، ثم أُخرج من السجن، وكان على خزائن الأرض، ومع طول هذا الوقت كله ويعقوب يقول لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
أن يُعظِّمَ المسألة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تمنى أحدُكم فليُكثر، فإنما يسأل ربَّه".
قال المناوي رحمه الله: إذا تمنى أحدكم خيرًا من خير الدارَيْن فليكثر الأماني، فإنما يسأل ربه الذي ربَّاه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظم الرغبة ويوسِّع المسألة ... فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر؛ فإن خزائن الجُود لا يُفنيها عطاءٌ وإن جلَّ وعظُم، فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس هذا بمناقضٍ لقوله سبحانه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32] فإن ذلك نهي عن تمنِّي ما لأخيه بغْيًا وحسدًا، وهذا تمنى على الله خيرًا في دينه ودنياه، وطلب من خزائنه فهو كقوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32].
وقد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط، فقال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200]، وأثنى سبحانه وتعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة – أراه قال: وفوقه عرشُ الرحمن – ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة".
الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب:
فعن بُريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب".
أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا وأتت به، وألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع.نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستجيب دعاءهم ، والحمد لله رب العالمين

قيام الليل شعار الصالحين

حين يتوهم أهل الدنيا أن اللذة والنعيم في الأموال والنساء وفي البيت الجميل والفراش الوثير، فإن جنة المؤمن في محرابه ، ولذته في مناجاته لربه سبحانه وتعالى حين يقوم فيترك فراشًا وثيرًا وزوجة حسناء، ويلقي عن نفسه التعب والكسل ليجيب نداء ربه وهو يدعوه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً)، يا أيها الملتف في ثيابه المستدفئ في فراشه: قم فإنك على موعد مع ربك وخالقك، وهو ينادي على محبيه: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له.هؤلاء هم أهل الله المحبون له على الحقيقةقيام الليل .. وما أدراك ما قيام الليل ؟سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ولكننا ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكننا ما دخلناها ولا رأيناها .
لله قوم أخلصوا في حبه فأحبهم واختارهم خداما
قوم إذا جن الظلام عليهم قاموا هنالك سجدا وقياما
يتلذذون بذكره في ليلهم ونهارهم لا يبرحون صياماقيام الليل مدرسة تتربى فيها النفوس، وتهذب فيها الأخلاق، وتزكى فيها القلوب .قيام الليل عمل شاق وجهاد عظيم لا يستطيعه من الرجال إلا الأبطال الأطهار، ولا من النساء إلا القانتات الأبرار.. (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران:17) .قيام الليل دأب الصالحين قبلنا، ومكفرة لسيئاتنا، وقربة لنا إلى ربنا، ومطردة للداء عن أجسادنا.لماذا الحديث عن قيام الليلالحديث عن قيام الليل له أسباب كثيرة .. أولها: أنه بداية الطريق لإعادة بناء الأمة، وتأهيلها مرة أخرى لقيادة العالم وسيادته وريادته .. فبهذا الأمر ربى الله تعالى الرعيل الأول وجهزهم لتحمل مشاق الرسالة والقيام بأمر الدعوة؛ لأن العبد إذا قام الليل طهر قلبه، وإذا طهر القلب فلن تجد منه إلا السمع والطاعة.ولذلك لن تعجب إذا علمت أن الله افترض على المسلمين قيام الليل قبل أن تنزل الأحكام وقبل أن تفرض الفرائض وقبل فرض الصلوات الخمس كما جاء في حديث حكيم بن حزام أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها يسأل عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ سورة المزمل؟ قال: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً (سنة كاملة) وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًَا بعد فريضة .وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قيام الليل كان فريضة في أول الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة كاملة حتى نسخ الله هذا في آخر السورة.فطهارة القلب وزكاة النفس لا تكون إلا بقيام الليل .ولهذا وجدنا بعد الأمر بقيام الليل الحديث عن المهام الجسام التي يعد الله لها نبيه صلى الله عليه وسلم حين يقول الله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).الثاني: تبدل أحوالنا عن أحوال السلف، وانقلاب ليالينا إلى لهو ولعب وتفريط في الأعمار وتضييع للأوقات.. وبدلا من أن تقضى ساعات الليل في صلاة ومناجاة لله صار الأعم الأغلب يقضيها في معاص أضاعت على المسلمين دينهم. وغاب عن الكثير منا حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟".(رواه الجماعة) .وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .الثالث: هو قسوة في القلوب، وجفاف وجفاء في الباطن طفح على الظاهر فأورث النفوس عدم تلذذ بالقرآن والآيات، وعدم تأثر بالمواعظ والبينات، ومن كان هذا حاله فلا بد له أن يقوم الليل ليسأل ربه أن يمن عليه بقلب خاشع رقيق فما استجيبت الدعوات في وقت بمثل ما استجيبت بالأسحار. الرابع: رغبة في إحياء سنة من سنن النبي صلوات الله وسلامه عليه، تركها الناس ورغبوا عنها، وفي إحياء سننه أجر عظيم وثواب كبير.قيام الليل في القرآنلقد تنوعت صور دعوة القرآن المسلمين لقيام الليل ما بين الأمر به، وبيان فضله، وامتداح أهله، وعاقبة أصحابه ترغيبًا وتحبيبا، وهذه الآيات منها المدني والمكي:فأمر الله به في سورة المزمل كما سبق، وفي سورة الإسراء: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)(الإسراء:78، 79).قال الحسن ومجاهد: أي أن القيام في حق النبي نافلة؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو في حق المسلمين فريضة، فقالا: لابد من قيام الليل ولو ركعتين في السحر .وفي سورة ق قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق:39، 40) .وفي وصف أهل الإيمان امتدح الحق تبارك وتعالى المتقين المحسنين داعيا للاقتداء بهم فقال عز وجل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(الذريات:15 - 18).وقال : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)(الفرقان:63، 64) . فجعل من صفات عباده الذين شرفهم بنسبتهم إليه أنهم يبيتون ليلهم سجدًا وقيامًا.وفي بيان ما أعد للقائمين من الجزاء والنعيم قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:15 - 17) . وكل هذه السور مكية باتفاق المفسرين.أما السور المدنية فقد تابع الله فيها التنبيه على تلك الشعيرة العظيمة كما في قوله سبحانه: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران: 17) .وقال أيضا: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)(آل عمران:113) .وفي سورة الإنسان قال تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)(الإنسان:25، 26) .القيام في السنةلقد تواطأت أدلة السنة المطهرة مع أدلة الكتاب العزيز في الدعوة لهذه الفضيلة العظيمة وحث المؤمنين عليها، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله هو الحادي لأمته في اقتفاء أثره، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل".ولذلك كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: "لأن أصلي في جوف الليل ركعة أحبُّ إليَّ من أن أصلي بالنهار عشر ركعات". وعندما هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان أول ما كلمهم أن أمرهم بقيام الليل، قال: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " .وكان صلوات الله عليه وسلامه يتعهد المسلمين ويحثهم على قيام الليل، فعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى ثلثا الليل نادى بأعلى صوته: أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". وطرق عليا وفاطمة رضي الله عنهما ليلا وقال: ألا تصليان؟".وقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال سالم بن عبد الله: فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ".وفي وصية جبريل للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" .والنساء أيضا ولم يقتصر الأمر بقيام الليل على الرجال فحسب وإنما أيضا دعيت إليه المسلمات.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء".(رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح) .وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات " .وذكر أن العبد إذا فعل ذلك أو فعلته امرأته ضحك الله من فعلهما. وفي المسند: "إذا ضحك الله من عبد فلا حساب عليه".مقدار قيام الليل:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل أحد عشر ركعة، أو ثلاث عشر ركعة، ولا يزيد على ذلك، وكان يقول: " صلاة الرجل مثنى مثنى"، وروت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "فصلى أربعًا، لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم صلى أربعًا لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم أوتر بثلاث .
وصدق والله القائل:وفينا رســول الله يتـلـو كـتابه إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُأرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا بــه مــوقـنـاتٌ أن مــا قــال واقـــعيبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا اسـتثـقـلـت بالمشركين المضاجعهذا هديه صلوات الله وسلامه عليه، وكل إنسان يفعل ما تيسر له قدر استطاعته، والمقصود هو وجود قيام الليل وإحياء تلك السُّنَّة فيصلي العبد ما شاء ثم إذا تعب نام. وفي الحديث: " ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد"، وقال: "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا".(رواه البخاري ومسلم) .قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، ورغب فيه حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة".وقال رضي الله عنه: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصفه، ثلثه، ربعه، فواق حلب ناقة، فواق حلب شاة". والفواق: هو مقدار ما يرفع الحالب يده عن الضرع ثم يعيدها إليه ، وقيل مدة الحلب ... والمقصود أنها مدة قصيرة.وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين". يعني الذين يوفون أجرهم بالقناطير. (رواه أبو داود، ابن خزيمة وهو في صحيح الجامع).من الأسباب الميسِّرة لقيام الليلذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.لما سأل شاب الحسن البصري رحمه الله فقال لا أستطيع قيام الليل؟قال كبلتك خطاياك.وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.وأخيرا:يا رجال الليل جـدوا رب داع لا يــرد لا يقــوم اللــــيل إلا من له عزم وجد

التوكل على الله


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه ، أما بعد: فالتوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب..
تقييم
أرسل لصديق
طباعة

قراءة : 3164 طباعة : 174 إرسال لصديق : 12 عدد المقيمين : 12
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه ، أما بعد:
فالتوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه ، وتقضى الحاجات ، و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق ، و هذا هو حال جميع الأنبياء و المرسلين ، ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل ، يقول : ألك حاجة ؟ قال : "أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل " فكانت النار برداً و سلاماً عليه ، و من المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه ، و لكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر .
و نفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) " سورة آل عمران : 173 – 174 " .
و لما توجه نبي الله موسى – عليه السلام – تلقاء مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) " سورة القصص : 23 – 24 " أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب ، و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً ، خاوي البطن ، لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال ، و حاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب ، فلما أظهر فقره لله ، و لجأ إليه سبحانه بالدعاء ، و علق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة ، يقول تعالى: ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ ) " سورة القصص : 25 " وكان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب ، و نفس الأمر يتكرر من نبي الله موسى ، فالتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم السلام – لما سار نبي الله موسى و من آمن معه حذو البحر ، أتبعهم فرعون و جنوده بغياً و عدواً ، فكان البحر أمامهم و فرعون خلفهم ، أي إنها هلكة محققة ، و لذلك قالت بنو إسرائيل: إنا لمدركون ، قال نبى الله موسى : (كلا إن معي ربى سيهدين) قال العلماء : ما كاد يفرغ منها إلا و أُمر أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، فكان في ذلك نجاة موسى و من آمن معه ، و هلكة فرعون و جنوده ، و لذلك قيل : فوض الأمر إلينا نحن أولى بك منك ، إنها كلمة الواثق المطمئن بوعد الله ، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ) " سورة الزمر : 36 "
التوكل والتواكل:
قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله ، فالنار صارت برداً و سلاماً على إبراهيم ، و البحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى و من آمن معه ، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول أو الركون إلى الأسباب ، فخالق الأسباب قادر على تعطليها، و شبيه بما حدث من نبى الله موسى ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة ، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :" ما بالك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا "، و هذا الذي عناه سبحانه بقوله: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) " سورة التوبة : 40 ".
والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه عليه - في يوم الهجرة و غيره ، إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد ، و قد فسر العلماء التوكل فقالوا : ليكن عملك هنا و نظرك في السماء ، و في الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها و أتوكل ، أو أطلقها و أتوكل ؟ قال : "اعقلها و توكل " رواه الترمذي و حسنه الألباني ، وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء، و إنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و التوكل على الله يحرص عليه الكبار و الصغار و الرجال و النساء ، يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة ، فلما فرغ قال له : ابن من أنت؟ فقال الغلام : أنا يتيم الأبوين ، قال له الرجل : أما تتخذني أباً لك ، قال الغلام : و هل إن جعت تطعمني ؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن عريت تكسوني؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن مرضت تشفيني؟ قال: هذا ليس إلي ، قال : و هل إن مت تحييني ، قال : هذا ليس إلى أحد من الخلق ، قال : فخلني للذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين، و إذا مرضت فهو يشفين ،و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، قال الرجل : آمنت بالله، من توكل على الله كفاه
. و في قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر ، و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين ، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه ، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته ، و كأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته ، فغنيهم فقير ، و كلهم ضعيف و كيف يتوكل ميت على ميت : (فتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده).
و في الحديث :" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً " رواه أحمد و الترمذي و قال: حسن صحيح . و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :" اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ". رواه البخاري و مسلم و كان يقول : "اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت ، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون ". رواه مسلم ، و كان لا يتطير من شئ صلوات الله و سلامه عليه ، و أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال : "كُلْ ثقةً بالله و توكلا عليه " رواه أبو داود و ابن ماجة .
التوكل على الله نصف الدين:
ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز و جل مع أخذهم بالأسباب الشرعية ، فالتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ، و قال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ، و قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون و يقولون : نحن المتوكلون ، فإن قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى: ) وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( " سورة البقرة : 197 " وروي أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يقول : اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان ، و بك المستغاث و عليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . عباد الله إن الله هو الوكيل ، الذي يتوكل عليه ، و تفوض الأمور إليه ليأتي بالخير و يدفع الشر .
من أسماء الرسول :المتوكل
و من أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم " المتوكل " كما في الحديث: " و سميتك المتوكل " .و إنما قيل له ذلك لقناعته باليسير و الصبر على ما كان يكره ، و صدق اعتماد قلبه على الله عز و جل في استجلاب المصالح و دفع المضار من أمور الدنيا و الأخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ، و لكم في نبيكم أسوة حسنة و قدوة طيبة ، فلابد من الثقة بما عند الله و اليأس عما في أيدي الناس ، و أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و إلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه ، و دعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه ، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه ، و بسبب سوء ظنه ، و في الحديث: " أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " و الجزاء من جنس العمل ، فأحسنوا الظن بربكم و توكلوا عليه تفلحوا ، فإن الله يحب المتوكلين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اسباب زيادة الإيمان طلب العلم


مما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانا ، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب جل وعلا ، وبالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات، (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة: من الآية11).
بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله عز وجل في القلوب ، كما أخبر الله في كتابه الكريم: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: من الآية28).
وكما قال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج:54) .
وكيف لا يزداد الإيمان بطلب العلم ومجالس العلم هي مجالس ذكر تتلي فيها آيات الله ويتعلم فيها كيف يعظم الرب ويمجد وكيف يعبد ، وتدرس فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه المجالس تحضرها الملائكة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض ـ فضلا عن كتاب الناس ـ فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، قال: فيقول :كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وأشد تمجيدا وأشد لك ذكرا، قال: فيقول: وأي شيء يطلبون؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنة، قال: فيقول: فهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا، قال: فيقول: فمن أي شيء يتعوذون؟ قالوا؟ يتعوذون من النار، قال: فيقول: فهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا وأشد منها تعوذا، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم، إنما جاءهم لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى لهم جليس ".
كيف لا يزداد إيمان العلماء وطلاب العلم ، وهم حين اجتمعوا لمدارسة العلم قد " نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ".
وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علما إنما يزداد نورا وبصيرة؟
وقد جعل الله العمى الحقيقي الجهل الذي هو في مقابلة العلم ،فالعلم نور للبصائر والجهل ظلمة وعمى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الرعد:19). وقال الله تعالى مبينا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله تعالى به خيرا بسلوكه سبيل العلم والفقه في الدين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ".
أم كيف لا يزداد إيمان من علم الناس الخير حتى " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".
ومن كرم أهل العلم على الله تعالى أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه ، كما قال تعالى: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) .
وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي صلى الله عليه وسل حين قال: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه ".
إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته ، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين ، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16).
ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها ، ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تعالى منه المزيد: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع : " اللهم إني أسألك علما نافعا.."فاللهم زدنا إيمانا وعلما ، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إن القلب هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وما سمي القلب قلبا إلا من تقلبه، فتارة يجد العبد قلبه ممتلئا إيمانا وخشية ، مما يورثه سعادة وأنسا وانشراحا،وتارة يضيق عليه صدره ويضعف الإيمان في قلبه ،وهذا حال ابن آدم.
وقد نبه الشرع المطهر إلى هذه الحقيقة ـ أن القلب يتقلب ـ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن".
وقال صلى الله عليه وسلم: " لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا".
ولهذا كان كثيرا ما يسأل ربه ثبات القلب على الإيمان والهداية والتقوى ، فيقول: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة رضي الله عنه أن القلب لا يستقر على حال ، فحين لقي حنظلة أبا بكر رضي الله عنه فسأله أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة ، قال أبو بكر : وما ذاك؟ قال حنظلة : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ( يعني أسباب المعاش ) فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إنا لنلقى مثل هذا ، فانطلقا حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال: " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".
نعم فالإيمان يزيد وينقص ، وهذه عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص ، وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، ومنها قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح:4) .
وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) .
وقوله تعالى (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).
وحين يزداد الإيمان ينعم الإنسان بهذا الإيمان حتى قال بعضهم: إنه لتمر بالقلوب ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم.
وقالوا حين استشعروا حلاوة الإيمان ولذته : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ( يعني من السعادة) لجالدونا عليه بالسيوف.
كما قد يضعف الإيمان في القلب حتى لا يكاد يكون له أثر ولا يكاد يحجز صاحبه عن شيء من المعاصي ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
وليس معنى ذلك أن الزاني والسارق وشارب الخمر قد كفر بذلك ، كما بين ذلك النووي رحمه الله فقال في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.
وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره من قال: "لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق"...
فالمقصود بيان أن الإيمان قد يضعف جدا في القلب ، وإذا ضعف الإيمان في القلب وجد العبد وحشة وضيقا حتى إن الدنيا كلها لتضيق عليه كما قال الله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً )(طـه: من الآية124).
لهذا كان لزاما على العبد أن يتفقد قلبه ويأخذ بأسباب صلاحه وزيادة الإيمان لأنه:
لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا أصحاب القلوب الحية الطيبة السليمة المؤمنة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88ـ89) .
وقد كان السلف يوقنون بهذا فيتواصون بأسباب زيادة الإيمان كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجلسائه: تعالوا نزدد إيمانا.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لأخيه المسلم إذا لقيه: اجلس بنا نؤمن ساعة.
كما كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: هيا بنا نؤمن ساعة ، وأُثر من دعائه: اللهم زدني إيمانا ويقينا وهدى وصلاحا.
فما هي أهم أسباب زيادة الإيمان؟
هذا ما نجيب عنه في مقالات قادمة إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

من اسباب زيادة الإيمان القرآن


ذكرنا في مقال سابق أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الزيادة في إيمان العبد لها أسبابها التي إن أخذ بها العبد ازداد إيمانا.
ومن أهم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن الكريم بتفكر وتدبر؛ فهذا القرآن هو كتاب هداية ،آياته البينات هي النور الذي يستضيء به العبد فيهتدي للتي هي أقوم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(الإسراء: من الآية9).
فبه يخرج العبد من الظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).
إنه الشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).
وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)
إنه الروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).
إنه الكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنين الصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).
إن تدبر القرآن يزيد العبد إيمانا ونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذي كان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإن كان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعة للقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقول الحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .
إن الله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر من أعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .
ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).
وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟
وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قام الليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائب أو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".
وإذا قرأ العبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإما ابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه ، وأن يزيدنا إيمانا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اسباب زيادة الإيمان التفكر


إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى ، فقد سماها الله آيات, يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق, وعلى كمال قدرته, وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(فصلت: من الآية37) يعني: من الآيات التي نصبها دليلا على عظمته. وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12). وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الروم:21ـ24).
وقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر في هذه الآيات التي أودعها كونه الواسع:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الروم:8) .
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185).
ونحو ذلك من الآيات القرآنية التي تحث العباد على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, لو تفكر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب, كما قال الله تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21)
فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعبا بدون أن يكون لذلك حكمة, فإنه بذلك قد ظن السوء ، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).(صّ:27).
قال الغزالي رحمه الله تعالى : "كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم ، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره".
وصدق سفيان بن عيينة رحمه الله إذ قال:
إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة
التفكر أصل الخير
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" أصل الخير والشر من قبل التفكر ؛ فإن مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض ، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها...ورأس (هذا) القسم الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما ، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة ، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها ، وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.وهذه تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب اكثر الخلق.كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه،ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه".
الرسول يطيل التفكر
لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: " يا عائشة ذريني أتعبد لربي " قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ،فلما رآه يبكي قال: ي رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبدا شكورا ، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران:190).
وهذه أقوال الصالحين وأفعالهم
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : الفكرة في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة.
وقد بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها،ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.
وعن عامر بن قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.
وقال الحسن رحمه الله تعالى : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وعن عبد الله بن عتبة قال : سألت أم الدرداء : ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء أن لقمان كان يطيل الجلوس وحده ، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان ، إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان : إن طول الوحدة أفهم للفكر،وطول الفكر دليل على طريق الجنة.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.
وكتب الحسن رحمه الله تعالى إلى عمر بن عبد العزيز يقول : اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما بقي وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.
وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرىء قط إلا علم ، وما علم امروء قط إلا عمل.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.وقال: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس، وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم ، وتدبر قبل أن تهجم ، وشاور قبل أن تقدم.
وورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
وقال أبو سليمان رحمه الله :عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.
ونختم حديثنا عن التفكر كسبب من أسباب زيادة الإيمان بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أنفع الدواء أن تشغل قلبك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك ، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الاشياء له بما لا منفعة له فيه ، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك ؛فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد ولا تقترب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك إلا بها ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
نسأل الله الكريم من فضله ، والحمد لله رب العالمين.

ربك يحبك


حين يتأمل العبد شعائر الإسلام العظيمة وتشريعاته الربانية يخرج بالعديد من الدروس والعبر ، ومن أهم الدروس التي يقف عندها كثيرا يقينه بأن الله تعالى يحبه ويريد به الخير واليسر والهداية ، يريد بعبده أن يتشبه بالملائكة الذين هم : ( عِبَادٌ مُكْرَمُونَ )(الأنبياء: من الآية26).وهم أيضا : ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6).
إنك حين تتأمل تصل إلى هذه النتيجة ولابد ، فالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام العملية قال الله تعالى عنها: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(العنكبوت: من الآية45).
وقال عنها النبي في تطهيرها لصاحبها من آثار الذنوب والمعاصي: " تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الصبح غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الظهر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العصر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم المغرب غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العشاء غسلتها ، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".
وقال عنها أيضا : " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم ، يغتسل فيه كل يوم خمسا ، ما تقول : ذلك يبقي من درنه . قالوا : لا يبقى من درنه شيئا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا".
أما الصيام فقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وأما الحج فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".كما بين صلى الله عليه وسلم أن "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
إن جميع ما ذكرناه سابقا ليؤكد نفس المعنى وهو أن الله تعالى يحب عبده ، يحب أن يرحمه ، يحب له أن يكون كالملائكة مبرأ من كل نقص وآفة ، ولعلمه سبحانه وتعالى بأن العبد خطاء فقد شرع له ما يطهره من آثار هذه الذنوب والمعاصي ةالأوزار لأنه سبحانه وهو الغني يحب عبده ويحب رحمته ، هذا مع كمال غنى الرب جل وعلا وكمال فقر العبد إليه سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15).
وقد بين الله تعالى كمال غناه عن عباده وطاعاتهم وأنه أيضا لا تضره معاصيهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".
ومع ذلك فإنه يحب أن يرحم عباده فشرع لهم هذه الشرائع لتقربهم منه سبحانه ولينالوا بها رحمته ومحبته.
وقد ذكر بعض أهل العلم في حكم الطواف بالبيت الحرام أن الله تعالى قد اتخذ بيتا في السماء هو البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ولأنه يحب عباده المؤمنين ويريد لهم أن يكونوا كالملائكة فقد اتخذ بيتا في الأرض وأوجب على الناس حجه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران: من الآية97).
ثم هو سبحانه يباهي بأهل عرفات أهل السماء كما في الحديث: " إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء ، يقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ".وأهل السماء عباد مطهرون والله تعالى لا يباهي المطهر إلا بمطهر مثله فكأنه تعالى قد وضع عنهم الأوزار وتجاوز لهم عن الخطيئات.
وقد ثبت ذلك من خلال إخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال رضي الله عنه يوم عرفة : "يا بلال أنصت ـ أو أسكت ـ الناس ثم قال لهم : إن الله تعالى قد تطول عليكم في يومكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل". ولأجل هذا المعنى كان الشيطان في هذا اليوم أصغر وأدحر وأغيظ ما يكون لما يرى من تنزل الرحمات وتجاوز الرب جل وعلا عن الذنوب العظام.
فحري بنا أن نستشعر هذا المعنى أن الله تعالى يحبنا ويحب لنا أن نتشبه بالملائكة فنقبل على طاعته والإكثار من ذكره وإن بدرت منا معصية أو إساءة سارعنا إلى التوبة والندم على ما بدر منا ، يا أيها الأحبة الله تعالى يحب عبده المؤمن ويحب أن يتقرب عبده منه فلماذا الإعراض والغفلة والصد؟!.
وفقنا الله وإياكم لطاعته ، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
حين يتأمل العبد شعائر الإسلام العظيمة وتشريعاته الربانية يخرج بالعديد من الدروس والعبر ، ومن أهم الدروس التي يقف عندها كثيرا يقينه بأن الله تعالى يحبه ويريد به الخير واليسر والهداية ، يريد بعبده أن يتشبه بالملائكة الذين هم : ( عِبَادٌ مُكْرَمُونَ )(الأنبياء: من الآية26).وهم أيضا : ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6).
إنك حين تتأمل تصل إلى هذه النتيجة ولابد ، فالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام العملية قال الله تعالى عنها: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(العنكبوت: من الآية45).
وقال عنها النبي في تطهيرها لصاحبها من آثار الذنوب والمعاصي: " تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الصبح غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الظهر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العصر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم المغرب غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العشاء غسلتها ، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".
وقال عنها أيضا : " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم ، يغتسل فيه كل يوم خمسا ، ما تقول : ذلك يبقي من درنه . قالوا : لا يبقى من درنه شيئا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا".
أما الصيام فقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وأما الحج فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".كما بين صلى الله عليه وسلم أن "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
إن جميع ما ذكرناه سابقا ليؤكد نفس المعنى وهو أن الله تعالى يحب عبده ، يحب أن يرحمه ، يحب له أن يكون كالملائكة مبرأ من كل نقص وآفة ، ولعلمه سبحانه وتعالى بأن العبد خطاء فقد شرع له ما يطهره من آثار هذه الذنوب والمعاصي ةالأوزار لأنه سبحانه وهو الغني يحب عبده ويحب رحمته ، هذا مع كمال غنى الرب جل وعلا وكمال فقر العبد إليه سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15).
وقد بين الله تعالى كمال غناه عن عباده وطاعاتهم وأنه أيضا لا تضره معاصيهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".
ومع ذلك فإنه يحب أن يرحم عباده فشرع لهم هذه الشرائع لتقربهم منه سبحانه ولينالوا بها رحمته ومحبته.
وقد ذكر بعض أهل العلم في حكم الطواف بالبيت الحرام أن الله تعالى قد اتخذ بيتا في السماء هو البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ولأنه يحب عباده المؤمنين ويريد لهم أن يكونوا كالملائكة فقد اتخذ بيتا في الأرض وأوجب على الناس حجه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران: من الآية97).
ثم هو سبحانه يباهي بأهل عرفات أهل السماء كما في الحديث: " إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء ، يقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ".وأهل السماء عباد مطهرون والله تعالى لا يباهي المطهر إلا بمطهر مثله فكأنه تعالى قد وضع عنهم الأوزار وتجاوز لهم عن الخطيئات.
وقد ثبت ذلك من خلال إخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال رضي الله عنه يوم عرفة : "يا بلال أنصت ـ أو أسكت ـ الناس ثم قال لهم : إن الله تعالى قد تطول عليكم في يومكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل". ولأجل هذا المعنى كان الشيطان في هذا اليوم أصغر وأدحر وأغيظ ما يكون لما يرى من تنزل الرحمات وتجاوز الرب جل وعلا عن الذنوب العظام.
فحري بنا أن نستشعر هذا المعنى أن الله تعالى يحبنا ويحب لنا أن نتشبه بالملائكة فنقبل على طاعته والإكثار من ذكره وإن بدرت منا معصية أو إساءة سارعنا إلى التوبة والندم على ما بدر منا ، يا أيها الأحبة الله تعالى يحب عبده المؤمن ويحب أن يتقرب عبده منه فلماذا الإعراض والغفلة والصد؟!.
وفقنا الله وإياكم لطاعته ، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

الاثنين، 4 يناير 2010

يا أهلنا

اقولها صريحة أن حالحكامنا الآن كحال عباس
من عباس
؟
هو من حكى عنه الساعر أحمد مطر
بقوله
عباس وراء المتراس ،
يقظ منتبه حساس ،
منذ سنين الفتح يلمع سيفه ،
ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دبه ،
بلع السارق ضفة ،
قلب عباس القرطاس ،
ضرب الأخماس بأسداس ،
(بقيت ضفة)
لملم عباس ذخيرته والمتراس ،
ومضى يصقل سيفه ،
عبر اللص إليه، وحل ببيته ،
(أصبح ضيفه)
قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه ،
صرخت زوجة عباس: " أبناؤك قتلى، عباس ،
ضيفك راودني، عباس ،
قم أنقذني يا عباس" ،
عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا ،
(زوجته تغتاب الناس)
صرخت زوجته : "عباس، الضيف سيسرق نعجتنا" ،
قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس ،
أرسل برقية تهديد ،
فلمن تصقل سيفك يا عباس" ؟"
( لوقت الشدة)
إذا ، اصقل سيفك يا عباس